حركة العدل والمساواة تعيش إشكالية بنيوية منذ ميلادها رسالة إلى الصديق إسماعيل رحمة.




الصديق العزيز إسماعيل رحمة المحامي
.
تحياتي وعيد ميلاد سعيد وعام جديد سعيد لك ولاسرتك الكريمة.

لك إحترامي؛ وتقديري لقلمك الذي ظل ينبض بالهم العام بدارفور. و ويعبر عن أفكارك وأرائك الثورية التي نتفق على الكثير منها.,عبر صفحتك إحترامي للرفاق في قادة حركة العدل والمساواة؛ إينما هم؛ الشهداء منهم ومن هم في الميدان؛ ومن هم في حركات أخرى أو من توقفوا للحظة؛ أو من ساقت بهم الأقدار إلى الخرطوم. يظل بيننا الإحترام مهما إختلفت المواضيع والمواقف والأفكار. فقد كان لقائنا الأول بهم وحتى إفتراقنا يقوم على مبدأ الإحترام المتبادل.أقدم إسهامي معك؛ في الذكرى ال59 لتأسيس دولة الجلابي الإشكال والأزمة بالبلاد التي أدت إلى قيام الثورة في دارفور.

تقيمي لحركة العدل والمساواة في نوفمبر 2004ف وهو تاريخ لقائي بقادتها لأول مرة؛ إلى يناير 2005ف حيث دعوتي للمشاركة في مؤتمرها الأول العام بالفندق الكبير. تقيمي لها أنها تعيش إشكالية بنائية؛ تتعلق بالفكرة؛ والتنظيم والمنهجية والخطاب. وتلك الإشكالية كانت قبل ميلادها في مؤتمر المهمشين العام في ألمانيا سنة 2002ف. ولم أشعر بأن منهجيتها مناسبة وذلك منذ إتصالي الأول مع قادتها الأوائل في سبتمبر 2002ف. وفي 21. نوفمبر 2004 حين إلتقيت الدكتور خليل ابراهيم لأول مرة بمساعدة من الرفيق العزيز تاج الدين نيام؛ وكان خليل برفقة بشارة سليمان؛ كانت لدي قناعة أنها لم تكن الحركة التي كانت في مخيلتي ولو بشكل مثالي.


في طرابلس الغرب ساعة إلتقاط الصور أعلاه هذه كانت الحركة في الطريق لبناء ذاتها إلا أن إشكاليتها البنوية حالت دون ذلك وهو سبب تفككها لاحقا. بمعنى أدق أن الصور المنشورة بصفحتك هنا لا تعتبر بأي حالة عن حقيقة حركة قوية وذات تماسك في مفاهيمها؛ أو تفاهم بين قادتها في تقديري. والصورة دائما لا تعبر عن حقيقة الوضع. فغالب الحاضرين في المؤتمر الاول كانوا من قومية رئيس الحركة ومن عشيرة صغيرة في تلك القومية.,أذكر أني دعيت للمؤتمر من قبل الأخ العزيز إدريس إبراهيم أزرق؛ وأنا من أتصلت بأحمد حسين آدم لأخبره أن هناك مؤتمر للحركة. وواجهتني إشكالية أنا والزميل أحمد تيجاني للدخول لأن الحرس بالباب كان يصر علينا التكلم بلغة قومية الرئيس ودون ذلك فانه مشكوك في امرهم؛ ولم يرغب مطلقا لنا بالدخول لولا تدخل إدريس أزرق.وهي محاولات اولية لأكون عضوا بالحركة لكنها لم تكلل بالنجاح. وهناك العديد من المواقف الغريبة والمدهشة والمضحكة مع الرفاق في حركة العدل والمساواة .

الا ان تحليلي ان العشيرة كانوا يشعرون ويعبرون عن أن الحركة شئ ملكهم هم ؛ ولهم وحدهم؛ وهم من أسهموا فيها بأنفسهم وأموالهم وطاقاتهم لاجل مشروع محدد هي نتيجته النشاط الثوري بدارفور.؛ و النتيجة هو هدف أسمى يجب ان يكون من نصيبهم هم فقط في السلطة والثروة . أما الأعضاء الأخرين من غير قومية وعشيرة رئيس الحركة؛ ضمنهم أعضاء المكتب القيادي بما فيهم أنت نفسك. وال27 في المؤتمر العام الأول. فقد كانوا في هيئة تجميل شكلي لصورة الحركة الخارجية وإضفاء لون مزيف يراها العالم على أنها حركة عامة. وكون المرء ديكورا ليس يهم من هم هؤلاء الشكل الجميل الخارجي للحركة؛ فالجميع مرحليون وتحت إختبار وفي حالة إستطلاع شخصي حول إحتمالية أن يبقوا أعضاء دائمين مستقبلا أو يجري تبديلهم بأخرين من قبائلهم أو قبائل أخرى لنفس الغرض. و الشروط الديكورية هي الواجهة القبلية؛ والقابلية للإنقياد ؛ وليست إتفاق أو عطاء فكري أوقيمي من مبادئ الثورة أو القدرة القيادية. ولحد كبير يتم تحديد قبول العضوية عبر علاقات شخصية تضمن الثقة في العضو؛ هي اشبه بطريقة تجنيد عناصر الحركة الإسلامية في الجامعات بتجربتي السابقة. اي لابد من ضامن للثقة فيك لا في افكارك واراءك الثورية .ويتم كل ذلك وفق شروط مشروع العشيرة الصغيرة وأهدافها؛ بإتفاقهم أو بدون إتفاق بينهم. إلا أن جميعهم ينحازون تلقائيا للنزعة العائلية برابط القربى التي تجمعهم وتخاطب مصالحهم؛ وجميعهم يتضامنون معا بإرادتهم وبوعيهم او بدون وعي دفاعا عن هذه الوضعية.


لكن حتى لا نظلمهم؛ فان العشيرة نفسها غير فاهمة وغير مصدقة اللحظة التاريخية التي وضعهم الزمن فجأءة في الاضواء. ولم يسبق لهم تجربة إدارة شئون الناس؛ لهذا كانوا مصدومون وصوروا انفسهم على انهم اناس مميزين من قومية مميزة؛ وعبروا عنها بشكل مثير للسخرية أحيانا. فدارفور ليست تشاد بما يعرفونه الا انهم يعتقدون انهم اصحاب حظوة. أذكر كلمة للراحل إبراهيم يحي عبد الرحمن قوله ؛" أن الذين لم يسبق لهم أن أداروا شعوبا في تاريخيهم يكون من الصعب أن يديروا رجالا وينجحون مشروعا عاما؛ يعيشون بالطمع والخوف. هذه مهذلة؛ أنا سوف أعود إلى الخرطوم أفضل من أن أكون عضوا و إستمر في هذه المسرحية المخادعة. "

يمكن أن يظن ظان منطلقا من حسن نية على أن أن المسألة غير الطبيعية لحركة العدل والمساواة هذه تاتي لضرورات البداية واشكاليات ميلاد الحركة التي اتت لتقدم طرحا عاما يستهدف التغير بالبلاد؛ الا ان تقدم الزمن وتقدم وعينا اثبت غير ذلك. و كانت مراحل التفرق والإنشقاق بين اعضاءها لاحقا دليل على صدق تحليلي وقولي. والغريب أن الكثير منهم لا يزال غير مدرك بالخطأ! ويثير الدهشة والسخرية إلصاق نعت العمالة للنظام في الرفاق الذين يختلفون معهم في الرأي.


إلا أنه ولحد كبير كان المكتب القيادي بالحركة هي صورة ديكورية جميلة أكثر من كونه تمثيل حقيقي وفاعل. ومن المؤسف لعبوا جميعا الدور الذي في النهاية وصلت إليها الحركة. فقد كان يمكن أن يكون المكتب القيادي منصة حوار صادق لمناقشة الإشكال البنيوي أولا ؛ بإحترام متبادل وثقة. ثم وضع مقترحات حلول بناءة وفاعلة تسهم في تشكيل حركة سياسية قوية تقدم وتطرح وتعالج الإشكاليات وتقوم على أسس قيمي ثوري إنساني وأخلاقي وفكري ؛ ويضم كفاءات وهناك عشرات الكفاءات من الاقليم. غير أن الإشكالية البنيوية يدعمها إنتهازية القادة من العشيرة؛ وضعف وضيق أفق؛ ومن لم يسمع لافكاره ومن اسيئ فهمه من القادة خارج إطار القومية والعشيرة. وكان طبيعيا أن ينتهي الحال إلى ما هو عليه الأن.
ولا يمكن أن يعتقد أحد أن هناك كوادر وقدرات قيادية؛ وأصحاب خبرة تأهلوا في الجبهة الإسلامية سابقا؛ ثم ينتهي الحال في الحركة التي تضم أفضل متعلمين وكوادر الى تفكك وتشرزم! الحقيقة أن فكرة وجود كوادر كان في حد ذاته وهم كبير صدق البعض نفسه!


هذه الإشكاليات كلها واجهت حركة العدل زمن خليل إبراهيم وهي في أفضل أحوالها؛ وكانت تعيش بجانب ذلك إشكالية تحديد هويتها؛ أهي سودانية أم تشادية؛وذلك بوجود أعضاء كثيرون من أصول تشادية بالحركة. كما قاتلت الحركة في تشاد حفاظا لعرش إدريس ديبي الذي ينحدر مع خليل من ذات القومية.وكان أعضاء الحركة أنفسهم في شكك من أن قادتها السياسيين هم بعثة من حزب المؤتمر الشعبي أم هم قادة ثوريين يخدمون مصالح شعب دارفور. ولا يدري الأعضاء مصدر دخل الحركة المالي والتي كانت تشكل توهان كبير لعضويتها.ولم يستطيع الدكتور خليل رغم إجتهاداته إحداث نقلة في التنظيم العسكري من مليشيات قبلية تضم في صفوفها أطفال دون السن القانونية واشراكهم في القتال. بجانب أن الحركة تمارس إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في صفوف عضويتها عبر الاعتقال والتعذيب والسجن والمحاكمات غير القانونية والتي تفتقر للمشروعية. كما هي متهمة بارتكاب جرائم تحتاج خضوعها لتحقيق جنائي مستقل.


أما اليوم؛ فإن أقسام حركات العدل والمساواة المتشظية تختفي رويدا رويدا أمام التحديدات التي تفرضها العصر وقيمها وشروطها. أما الشق الرئيسي فبعد إستشهاد دكتور خليل إبراهيم أصبح يرحل ذهنيا نحو الخرطوم مغادرا دارفور؛ وهو الجزء الذي لا يزال يعيش ذات المشكل السابق وأصبحت الحركة مثقلة بإتهامات تتعلق بإنتهكات حقوق الإنسان داخلها وفي دارفور؛ تعلق بقائها ليس على طرح فكري ومبادرات التي تمثل مبرر قيام الثورة بل على إعادة إستثمار عناصر الكارثة الأسؤ عالميا؛ والتي تمثل منتج ما بعد قيام الثورة وبهذا كله تواجه مصداقيتها إشكالية.


إلا أنني أعتقد أن قادة حركة العدل والمساواة السودانية؛ كما قادة حركة تحرير السودان ايضا: الذين وقعوا إتفاقيات مع النظام عرفوا اليوم ان الازمة لم تحل؛ أو من لا يزالون على عهودهم الثورية بالخارج؛ و من أنشقوا أو لا يزالون بالحركة؛ جميعهم لديهم مسؤولية مشتركة؛ ولديهم إمكانية بناء عمل سياسي جديد يقوم على مبادئ ثورية؛و الحقيقة والثقة والإحترام المتبادل دون تكبر أو غررو أو طمع شخصي أو قبلي. هذا اصلاحا للعمل الثوري. وتصحيحا للمسار.وذلك أن السنوات ال12 من تاسيسها والعشر من لقاء طرابلس الغرب الأول بلا شك اسهمت في زيادة وعي الجميع بحقيقة المشكل والأزمة في السودان عامة؛ وفي دارفور. ولكل عضو منهم تجربته الثورية الشخصية وكل منهم لديه قراءة للتجربة العامة بما يفيده ويفيد به. لكن يتحتم ان يكون كل انسان صادقا مع نفسه وتجربته بامانة وواعيا بأهمية حق الاخرين وإسهاماتهم في القضية. وأن الحركة كلها ما هي الا اسهام صغير في القضية العامة.


بعد 12 سنة من قيام الثورة في دارفور اليوم نواجه إشكاليات التالية:1. إستمرار الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على صعيد الهوية الثقافية والعرقية والوطنية. وهي سبب قيام الثورة.
2. إستمرار الإنتهاكات الجسيمة ضد حقوق الإنسان على أساس القانون الجنائي العام والقانون الإنساني الدولي. وهي وقعت بعد قيام الثورة. وتعتبر الحركة جزء من هذه الإنتهاكات.
3. زيادة حجم الكارثة الإنسانية الأسؤ من نوعها في القرن الحادي والعشرين وتمددها. وهو امر ملح يجدر إنهاءه؛ وهي مسؤولية أخلاقية وإنسانية.
4. زيادة العناصر الفاعلة سلبيا في الساحة السودانية بجانب أن العدو إستقوى بعناصر كانت جزء من الثورة . وهذا خلق إحباط عام وسط الشعب.


إلا أنه بالمقابل فهناك عناصر إيجابية:
1. زيادة نضج ورشد النخبة السياسية التي كانت في مقدمة العمل الثوري في بداية القرن العشرين. وذلك بارتفاع نسبة وعيها بالمشكل والازمة بالبلاد وباقليم دارفور؛ وارتفاع معدل احساسها بالقيم الاخلاقية للعمل السياسي والعسكري؛ ومسؤوليتها الاخلاقية في قيادة التغيير في بلادها. وبامكانها تحديد هوية ثورية واضحة للحركة.
2. زيادة وارتفاع مستوى الوعي بالأزمة السودانية وحقيقة العدو الحقيقي بالبلاد؛ ارتفاع معدلات الوعي في دارفور وخارج دارفور زادت وسط الضحايا؛ وتوفر طاقة بشرية فاعلة وراشدة للتعاون والنضال الشريف.
3. عالميا يعد توفر وسائل تكنلوجية معاصرة أمر مفيد في نشر المعلومة والتواصل مع الشعب صاحب السلطة والحق الفعلي والحقيقي؛ وإمكانية توظيفها بشكل مفيد للتواصل.


المدخل الاساسي للاصلاح هو الحوار وفق المبادئ السابقة. والإلتزام بمادئ الحوار ونتائج الحوار. والحوار هو العنصر المفقود في بنية أي حركة؛ وغيابه ينتهي اي اختلاف الى تفتت واضعاف للثورة. والحوار امر مبدئ وعلامة نضج ؛ فالذي يجد نفسه مستعد لحوار عدوه في الدوحة او اديس ابابا الاجدر به أن يكون لديه أستعداد لحوار رفيقه وقبول رايه واحترام عطائه. والذي له الاستعداد للاتفاق مع خصمه واحترام اتفاقيته عليه ان يحترم نتائج الحوار مع رفيقه ويصل معه لاتفاق يوقع وينفذ من أجل إصلاح هيكل المؤسسة الثورية من جديد.
لك التقدير.
منعم سليمان عطرون
التعليقات
0 التعليقات
 
وطن السلام | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .