الخرطوم من معركة الجنائية واليوناميد الى المواجهة مع مجلس الامن

٣ يناير ٢٠١٤
تعد الاجراءات التي اتخذتها الحكومة السودانية ضد بعثة الامم المتحدة بطرد اثنين من مسؤوليها هي بداية المواجهة مع المجتمع الدولي مع نهاية العام الحالي وبداية العام الجديد ، ويبدو ان الاشتباك بين الخرطوم والامم المتحدة جاءت على خلفية قضيتين وهما : انهاء وجود البعثة المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الافريقي  في اقليم دارفور ( يوناميد ) ، وقرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية التي اعلنت عن تجميد التحقيق في الاقليم ، ويتوقع ان يطلب مجلس الامن الدولي من الخرطوم احترام بعثة الامم المتحدة وسيضغط عليها في حال عدم تراجعها عن قرار طرد المسؤوليين الاممين ، ولكن من المستبعد ان يتخذ المجلس قرارات صارمة ضد السودان .
الخرطوم في مواجهة الامم المتحدة
ويعتقد مراقبون ان حكومة البشير ستطلب من الصين وروسيا وهما الدولتان الصديقتان لها بعرقلة اي اتجاه لاتخاذ قرار دولي ضدها ، لا سيما ان الحكومة تعمل تجهيزاتها للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ابريل المقبل ، فضلاً عن الامم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية احجمت عن تمويل هذه الانتخابات وفق ما قالته المفوضية العليا للانتخابات في نوفمبر الماضي .
وقد رفضت الحكومة السودانية طلب الامين العام للامم المتحدة بان كي من الحكومة بالتراجع عن قرارها بطرد مسؤولي البعثة الاممية ،بل مضت الخرطوم اكثر من ذلك بان توعدت بمراجعة الاموال المخصصة لصندوق الامم المتحدة الانمائي ومعرفة حجمها واوجه صرفها .
وكانت الخرطوم قد طلبت في الأسبوع الماضي، من ممثل الأمين العام للشؤون الإنسانية في السودان علي الزعتري، والمدير القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي آيفون هيل مغادرة البلاد، ووُجِّه لهما اتهامات بتجاوز التفويض الممنوح لهما ، وقال وزير الخارجية السوداني علي كرتي للصحافيين إن التراجع عن طرد الموظفين الأميين غير وارد على الإطلاق، وإن مجلس الأمن لن يستطيع فعل شيء تجاه السودان، لأنه يتصرف وفق ميثاق الأمم المتحدة ، نافياً ان تتأثر بلاده بالقرار الذي اتخذته بابعاد الموظفين الدوليين وان ذلك لن يخلق عزلة دولية ضد السودان ، وقال ( لن تكون هناك عزلة ،نحن نتصرف بثقة ورجولة، والسودان لن يثبت حقه إلا بهذه الخطوات القوية، لأننا كلما رضينا بالذل سنُذل أكثر ) .
تزامن المعركة مع قرار المحكمة الجنائية الدولية
وفي منحى آخر كانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا قد طلبت من مجلس الامن الدولي حفظ التحقيق في الجرائم المرتكبة في اقليم دارفور الذي يقوم مكتبها باجراءه احتجاجا على عجز المجلس من القاء القبض على مرتكبي الجرائم في الاقليم، وكانت المفاجأة ان الرئيس السوداني عمر البشير وهو المطلوب لدى للمحكمة لاتهامه بارتكاب جرائم ابادة جماعية قد اعتقد ان القرار انتصار له ، الى ان ادرك وزير خارجيته ان القرار محاولة للضغط على مجلس الامن الدولي لتنفيذ اوامر القبض على المطلوبين الاربعة وهم الى جانب البشير ، وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين ، والي شمال كردفان احمد محمد هارون وزعيم الجنجويد علي كوشيب .
وربط محلل سياسي طلب عدم كشف اسمه لدواعي امنية عند حديثه لـ ( عاين ) خطوات الخرطوم الاخيرة بطرد اثنين من مسؤولي بعثة الامم المتحدة في السودان بقرار المحكمة الجنائية الدولية ، ويقول ( يبدو ان العام الجديد سيشهد تصعيداً متبادلاً بين عدد من الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي في مقدمتها الولايات المتحدة ، بريطانيا وفرنسا ضد الحكومة السودانية فيما ستدافع الصين وروسيا عن الخرطوم بعرقلة اي قرار يمكن ان يتخذه المجلس ) ، بيد انه يرى ان قرار حكومة البشير بطرد المسؤولين الدوليين سيحرج بكين وموسكو اخلاقياً باعتبار ان ذلك يمس هيبة الامم المتحدة وينتهك مواثيقيها .
وكان الكثيرون  في معسكرات النزوح واللجوء قد ساءوا فهم قرار المحكمة الجنائية في بادئ الامر ، بيد ان بعض القانونيين كانت لهم قراءة مختلفة لقرار المدعية باعتبار ان القرار جاء نتيجة لتباطوء مجلس الامن في اتخاذ اجراءات حاسمة .
النازحون واللاجئون غاضبون من تلكؤ المجتمع الدولي
يقول الخبير القانوني الاستاذ نبيل اديب لـ(عاين) ان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية قررت حفظ الاجراءات احتجاجا علي عدم جدية مجلس الامن الدولي في متابعة القضية ، وتجاهل بعض الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي في تنفيذ قرار امر القبض على البشير، ويشير الى ان الاجراءات يمكن تحريكها اذا تم القبض علي المتهم،او اذا قرر مجلس الامن الدولي السير في اتجاه ذلك .
وعلى العكس من حديث نبيل اديب فان رئيسة اتحاد المرأة في معسكر اللاجئين في بريجن في شرق تشاد حواء بخيت عبرت عن شعورها بالحزن من قرار المدعية العامة بحفظ التحقيق ، وطالبت المجتمع الدولي الدفع بالقضية وعدم حفظ التحقيقات ، وتقول لـ(عاين) اللاجئون لديهم اكثر من 10 سنوات خارج الوطن،ويعانون كثيرا في المهاجر ،وليس لديهم الحرية في بلاد الاخرين ،والمرء لا يصبح حراً الا في وطنه ، وشددت على ضرورة القبض علي الرئيس البشير واحمد هارون وعبدالرحيم محمد حسين وزير الدفاع ،وعلي كوشيب باسرع وقت وتقديمهم الى المحكمة، وتضيف ( جرائم الاغتصاب مازالت مستمرة في دارفور والموت والنزوح القسري ،كل هذه الجرائم مستحيل ان يتم تجاوزها بهذه الطريقة،وهذا في حد ذاته تحتاج الي تحقيقات جديدة ) .
من جانبه يقول رئيس معسكر السلام العمدة ادم محمود للنازحين في ولاية شمال دارفور لـ(عاين) ان النازحين في المعسكرات يطالبون بتقديم الجناة الى المحكمة الجنائية الدولية ، ويشدد في مطالبته للمجتمع الدولي الايفاء بالتزاماته عبر تنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي السابقة وفي مقدمتها تحقيق العدالة بمحاكمة المجرمين وعلى رأسهم البشير ، ويضيف ان تساهل المجتمع الدولي وعدم اكتراثه جعل النظام يتمادى في ارتكاب الجرائم مثل ما يحدث في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق .
الجرائم امام المحكمة الدولية لا تسقط بالتقادم
ويتفق المحامي محمد عبدالله الدومة مع اخرين في ان التهم المتعلقة بجرائم الحرب والابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية لا تسقط الا في حالة موت المتهم،وكل هذه البلاغات متروكة للمحكمة الجنائية الدولية، ولا تسقط بالتقادم ،ويقول الدومة لـ(عاين) ان احالة هذه القضية جاءت من مجلس الامن الدولي نفسه، وهي الان خارج اطاره ، ويضيف ان مجلس الامن لديه سلطة واحدة فقط،هي تأجيل  القبض علي المتهم لعام واحدة وفق المادة (16 ) من ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية،ويتابع ( لكن ليس لدى المجلس الحق في اسقاط التهم لان هذه مسؤولية المحكمة الجنائية الدولية فقط ) ، ويرى ان قرار المدعية العامة بايقاف التحقيق كان لاسباب موضوعية في فشلها القبض علي البشير وايضا عدم وجود المال الكافي للقيام بواجبها ولذلك ارجعتها الي مجلس الامن الدولي للقبض عليهم،وكشف الدومة ان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية استلمت اكثر من 300 شكوي اغتصاب .
ويقول احمد حسين ادم الباحث في المعهد الافريقي للتنمية في جامعة كورنيل بالولايات المتحدة الامريكية حديثه لـ(عاين) ان دارفور ضحية للسياسة الدولية القذرة علي مستوي مجلس الامن الدولي وان روسيا والصين مازالتا تساندان الرئيس البشير ، متهماً الاتحاد الاوروبي بعدم لعب الدور الكافي،ورغم  دوره الكبير في المحكمة الجنائية الدولية ،ويقول ان استمرار البشير في الحكم خطير علي الشعب السوداني، وبالاخص سكان دارفور.
ويرى حسين ان السودان يقود حربا علي نفسه ، ويشير الى ان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية لم تقم باجراء تحقيقات جديدة وانها كانت مقصرة ، ويضيف ( لكن اللوم الاكبر يقع علي مجلس الامن الدولي ) ،ويحذر من ان استمرار الحرب في دارفور سيقود الى انهار الاقليم وبالتالي السودان كله ، ويطالب  المجتمع الدولي بلعب دوره الحقيقي ، ويعتقد ان قرار بنسودا فيه ضغط علي مجلس الامن الدولي في ظل غياب الارادة السياسية في المجلس لا سيما الموقف الروسي والي حد ما الصين ، ويقول ان روسيا تقدم دعما سياسيا ، دبلوماسيا ، اقتصاديا وعسكرياً ، وانها تحمي النظام الحاكم وتشجع البشير في الاستمرار على ارتكاب الجرائم .ويشدد على ان حل المشاكل والازمات السودانية بوحدة قوى التغيير في السودان وان الحل ليس في المجتمع الدولي .
الخرطوم والامم المتحدة الملفات المتشابكة
في اخر تصريح للرئيس السوداني عمر البشير،قال ان قوات حفظ  السلام التابعة للامم المتحدة في دارفور اصبحت عبئا امنيا ويجب عليها ان تغادر البلاد،وفي شهر نوفمبر الماضي قامت السلطات باغلاق مكتب حقوق الانسان التابعة لقوات حفظ السلام  في الخرطوم ، وجري نشر القوات الدولية في دارفور قبل 7 سنوات بتفويض من مجلس الامن الدولي لوقف العنف ضد المدنيين بعد حمل السلاح في وجه الحكومة المركزية.
وظهرت المعركة بين الحكومة السودانية وبعثة اليوناميد  على خلفية قضية قرية ( تابت ) عند اغتصاب جماعي على (200 ) امراة وقاصر في تلك القرية بواسطة جنود من الجيش الحكومي ، ورفضت الخرطوم اجراء تحقيق شفاف بمشاركة البعثة ، وعندما سمحت لفريق اليوناميد من بدء التحقيق الا انها وضعت جنودها وسط الضحايا الشئ الذي جعلهم مترددين من توضيح ما حدث. وتقول المتحدثة السابقة للبعثة عائشة البصري لـ ( عاين ) ان شروط التحقيق انتفت بمجرد وجود القوات المسلحة اثناء عملية التحقق ، وتضيف ان ما اصدرته البعثة اثار شكوكاً اكثر مما قدم اجابات ، وترى ان مجلس الامن الدولي يتعامل مع القضية من خلال التوازنات بداخله لا سيما مواقف روسيا والصين لما لديهما من علاقات وطيدة مع الخرطوم ولذلك فانها تشكك ان يقوم مجلس الامن باصدار قرارات قوية .
وتقول البصري ان قرار خروج البعثة من دارفور تم اتخاذه في مجلس الامن الدولي منذ اغسطس الماضي تحت عنوان " خطة استراتيجية لخروج البعثة من دارفور " ، وتضيف " سيتم تقديم تقرير في فبراير المقبل وقد يتخذ المجلس قراراً باجازته وهو وضع استراتيجية لخروج اليوناميد من السودان " ، وتابعت " الافضل عدم خروج اليوناميد من دارفور رغم ضعف عملها بل ان يتم اصلاحها وتقويتها لان خروجها الان سيضع المواطنين امام خطر كبير من قبل السلطات السودانية والمسلحين " ، واستبعدت ان يتم نشر قوات من دول غربية في دارفور لحسابات تخص هذه الدول التي لن ترسل اي قوة الى خارج بلادها .
وبحسب محلل سياسي تحدث لـ ( عاين ) من الخرطوم فانه يستبعد ان يتخذ مجلس الامن الدولي قراراً ضد الخرطوم حول طرد اثنين من مسؤولي بعثة الامم المتحدة في السودان ، ويقول ان العلاقة بين المنظمة الدولية والحكومة السودانية اصبحت اكثر تعقيداً في ظل تساهل المجتمع الدولي مع سلوك النظام العدائي ، ويضيف ( سبق ان قامت الخرطوم خلال الفترة الانتقالية بطرد مبعوث الامم المتحدة يان برونك – هولندي الجنسية ، والان تم طرد مواطنته ايفون هيلي المديرة الاقليمية لبرنامج الامم المتحدة الانمائي الى جانب علي الزعتري الاردني الجنسية ) .
ويشير المحلل السياسي الى ان حكومة البشير تدير معركة اخرى مع المملكة الاردنية الهاشمية التي وقف مندوبها في الامم المتحدة مندداً بعدم تنفيذ مجلس الامن الدولي قراراته بتنفيذ العدالة في دارفور ، ويقول ( على الفور استدعت الخارجية السودانية سفير الاردن في الخرطوم وقدمت احتاجاجاً شديد اللهجة لموقف مندوبها في مجلس الامن الدولي ) ، ويتابع ( لذلك فان الزعتري الذي اتهم بانه اساء للسودانيين في مقابلة صحيفة رغم انه اوضح ان الحديث اخرج من سياقه الا ان عملية طرده تتعلق بمواقف بلاده الموقعة على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية وبالتالي فانها تتعامل معها وفق هذا السياق ) ، ويعتقد المحلل السياسي ان تشابك الازمة بين الامم المتحدة والحكومة السودانية ستلقي بظلالها في الفترة القليلة القادمة رغم انه استبعد ان تصل العلاقة الى طريق مسدود .
فيما يري الدكتور صالح في حديثه لـ (عاين ) ان قرار الحكومة باخراج اليوناميد يعني انها تمهد لجرائم فظيعة مقبلة علي الارض،وان خروج البعثة المشتركة هو تمهيد لطرد كل القبائل الزنجية في دارفور بما فيهم من يسكنون المدن الكبيرة وكذلك النازحين الذين فقدوا الامن في ظل وجود هذه القوات رغم فشلها في حمايتهم ، ويضيف ( لقد جلسنا مع بعض المسؤولين في اليوناميد،وقلنا لهم في مثل هذه الظروف لايمكن خروج القوات الدولية ،وانهم سيتحملون المسؤولية اذا خرجت اليوناميد ) ، ويتابع ( ردوا لنا ان قوات اليوناميد لن تخرج الا اذا استقر الوضع واستتب الامن في دارفور ) .
ويقول الناشط  شريف حسن وهو من دارفور ان قوات اليوناميد جزء من الامم المتحدة المفوضة من مجلس الامن الدولي ، ويضيف  لـ(عاين) ان تصريحات المسؤولين في الخرطوم باخراج اليوناميد هو بداية لانتهاكات جديدة ستقوم بها القوات الحكومية ومليشياتها في دارفور وبصور اوسع مما كانت في السابق، ،ويشير الى ان وفدا من الاتحاد الاوروبي زار معسكرات النازحين في شهر نوفمبر الماضي وتأكد له ان الاوضاع غير مستقرة وان والنازحين لا يأمنون علي انفسهم اذا حاولوا الخروج خارج المعسكرات ، فيما يطالب عضو عضو هيئة محامي دارفور ود الرضي باستبدال قوات اليوناميد بقوات دولية اخرى اكثر قدرة في حماية المدنيين وبصلاحيات كبيرة   خاصة في ظل استمرار الحكومة بانتهاكات حقوق الانسان  .
يبدو ان العام الجديد سيكون عاماً للمواجهة بين الحكومة السودانية والامم المتحدة الا في حال تراجع احد الطرفين عن موقفه ، وكل التوقعات تشير الى ان الدول الكبرى ستعمل محاصرة الخرطوم والضغط عليها للايفاء بالتزاماتها ووقف تكرار طرد المسؤولين الامميين من السودان وعدم عرقلة اداء مهامهم .

التعليقات
0 التعليقات
 
وطن السلام | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .