السلطة و القانون



هنالك علاقة صميمية بين السلطة و القانون حيث اننا في مجتمعاتنا الحالية بحاجة الى السلطة لاجل تنظيم المجتمع عبر تنفيذ القانون. بدون سلطة تنفيذية تكون القوانين عديمة المعنى وغير قابلة للتنفيذ مثل هذا يمكن ملاحظته عندما تنهار السلطة جراء الثورات فتفتح ابواب السجون و يتوقف الجهاز القضائي عن العمل. و بدون وجود القانون لن تكون هنالك ضرورة لوجود السلطة. انهما اذن الثنائي الذي يحتاج احدهما الى وجود الطرف الثاني.

و لاجل تنفيذ القانون فان السلطة لديها شرطة و سجون و جيش و هي بحاجة الى ممارسة عنف منظم هو في العادة عنف يعتبر مشروع اجتماعيا في عالمنا الحالي طالما هو يهدف الى تطبيق القانون. و عندما يرى المجتمع بان القوانين مجحفة فانها تدعوا الى تغييرها و عندما يسئ الحكام استخدام السلطة او القوانين يدعو المجتمع في العادة الى تغيير كليهما.

هذا هو ما يجري الان في واقعنا و هكذا يفكر و يتصرف البشر عندما يتعرضون الى ظلم القانون و السلطة لهم.

و لكننا نريد هنا ان نثير تساؤل جديد و حلول جديدة حول موضوع السلطة و القانون و نقوم بعرض الموضوع على المنطق العلمي لرؤية ما اذا كانت هنالك طريقة اخرى و حلول اخرى غير هذه الحلول القديمة و سنطرح السؤال التالي

هل بمقدور البشر ان ينظموا حياتهم بطريقة اخرى دون الحاجة الى القوانين؟

اذا استطعنا هنا ان نثبت علميا و عمليا بانه بمقدورنا تنظيم الحياة دون الحاجة الى القانون فان هذا يعني اننا نستطيع بسهولة الاستغناء عن اشياء كثيرة سيئة و فاسدة في حياتنا مثل الشرطة و السجون و المؤسسة القضائية و من ثم السلطة و الدولة نفسها. هذه الاجهزة الفاسدة و المكلفة جدا التي تسببت في معاناة البشر كانت و مازالت موجودة بحجة حمايتها للمجتمع برغم انها قامت دائما بنهب المجتمع عبر التاريخ. و سيكون امرا رائعا ان نتخلص من هذا الوباء اذا كان ممكنا. فهل هذا ممكن؟

ما هو القانون؟ و لماذا نحن البشر ,دون جميع الكائنات, بحاجة الى قوانين لتنظيم حياتنا؟

سنبدأ اولا في بالحديث عن شئ اسمه الاعراف. اذ ليس القانون هو الشئ الوحيد الذي يهذب تصرفاتنا في المجتمع. هنالك شئ اخر اسمه الاعراف يحدد الكثير من تصرفاتنا و يهذب سلوكنا الاجتماعي دون عواقب عقابية قانونية بل لان الافراد يعيشون في ترابط مع غيرهم من البشر و يتحملون عواقب انتهاكهم لها اجتماعيا. فمثلا الكذب او مخالفة الوعد هي مكروهة بحكم الاعراف تردع الكثيرين عن القيام بها.
الاعراف هي شرائع اجتماعية غير الزامية وجدت في جميع المجتمعات البشرية و هي اقدم من القوانين. حيث كانت المجتمعات البدائية تنظم حياتها على اساس الاعراف.

عندما تعقدت المجتمعات و تطورت ماديا و تراكمت الثروات و ظهرت الملكية و من ثم المجتمعات العبودية الطبقية الاولى لم تعد الاعراف كافية لحماية افراد المجتمع من الانتهاكات بحق بعضهم البعض. تجاوز البشر على حقوق الملكية و ظهرت النزاعات عليها مما استوجب معاقبة الذين يخالفون الاعراف بالقصاص منهم لردعهم و لكي يكون العرف واضحا تمت كتابته على نصوص مدونة تنظم الحقوق. هذه المدونات سميت بالقوانين او الشرائع كونها اصبحت اجبارية. و لاجل تنفيذ القانون استوجب ايجاد العقوبات لمن يخالفها. فابتكر الانسان عقوبة الاعدام و السجن و الغرامات و التعويضات المادية, و اوجد البشر اجهزة قضائية للفصل و اجهزة تنفيذية غالبا ما كانت مسلحة و منظمة في شكل سلطة.

القانون اذن يمكن تعريفه استناد الى ذلك بانه تعبير عن عجز المجتمع في حل المشاكل بين البشر. عندما عجزنا عن وقف الناس عن السرقة قمنا بسن قانون له. و عندما نعجز عن وقف الاحتيال اصدرنا قانون للاحتيال. و عندما نشا صراع على مصادر الماء الشحيحة قمنا باصدار قانون لتوزيع المياه. و هكذا استمرت القوانين تتعقد و تتغير مع تغير و تعقد حياتنا الاجتماعية حتى صارت لدينا قوانين لكل شيء نفشل في علاجه.

حسنا دعونا نفكر مليا في طريقة نستطيع فيها حل مشاكلنا و نحن الان في القرن الواحد و العشرين و ذلك دون استخدام القانون فهل هذا ممكن؟

لناخذ مثلا السرقة. لماذا يسرق احدهم؟ الناس يسرقون اشياء هم بحاجة اليها و لا يستطيعون الحصول عليها, او انهم يسرقون لاجل الفوز بثروات في عالم يخشى فيه الناس من الحرمان و التهميش عندما لا يملك شيئا. اذا اعطيت جميع البشر كل ما يحتاجونه فانهم سيكفون عن سرقة الاشياء. نحن لا نسرق الهواء او المياه عندما تجري بغزارة في كل مكان. فاذا قمنا بتوفير جميع الحاجات لن تبقى هنالك كلمة اسمها السرقة. باستخدام التكنولوجيا يمكننا الغاء جميع القوانين بامكاننا انتاج وفرة من المنتجات و الخدمات لازالة الندرة و تحقيق الوفرة التي ستؤدي الى انتهاء الحاجة الى معاقبة الناس بعد ازالة اسباب السلوك الانحرافي لدى البشر.

هنالك قوانين اخرى مثل قانون تحديد السرعة كيف يمكننا التخلص منه؟
نستطيع بناء السيارات بحيث انها ترتبط بالاقمار الاصطناعية ترسل اشارات الى السيارة لتحدد سرعتها القصوى بحيث انها لا تستطيع تجاوز السرعة. هذا بالاضافة الى السائق الالي الذي بدا يدخل الخدمة و الذي يسير وفقا للبرامج المسبقة المقررة.

الان حاول ان تقرا اي نص قانوني تريده و فكر في طريقة علمية لازالته ستجد ان هنالك حلول لمعظم مشاكلنا و ان بمقدورنا العودة الى حكم الاعراف الاجتماعية التي تحدد ما هو لائق و ما هو مؤذي و كريه في المجتمع.

يكون بمقدورنا عنده التخلص من اكثر الاجهزة فسادا في عالمنا و هي الشرطة و السجون و الجيش. اما السلطة فان الحاجة اليها تنتفي تماما عندما نعيد تصميم عالمنا على اساس علمي منطقي استنادا الى قوانين الطبيعة و حاجات البشر و عندما لا تبقى هنالك حاجة الى قوانين.
بالتاكيد ستكون هنالك مؤسسات ادارية لتنظيم شؤون المجتمع ولكن هذه المؤسسات لن تكون مؤسسات موظفين ثابتين وهي ليست سلطة و لا تمتلك اية وسائل قسرية و لن تستطيع ان تفسد ليس لان العاملين فيها بشر شرفاء, لا ينبغي ان نبني الاشياء على اساس القيم الاخلاقية بل ان هذه المؤسسات ليست لديها وسائل للفساد وهي النقود و السلطة. لن يجد اي انسان وسيلة لاستئجار انسان اخر او الحصول على اتباع لان وسائل تبعية البشر لبضهم البعض سوف لن تكون موجودة في عالم الوفرة و التكنولوجيا المتاحة. فاذا وضعتك على جزيرة تجري فيها مياه غزيرة تكفي للجميع سوف لن تجد حتى انسانا مختلا عقليا واحدا يرغب بالسيطرة على الانهار و المياه ليجعلها ملكا له.

تبقى هنالك بالتاكيد خصوصا في المراحل الاولى من التحول مشاكل تتعلق بسلوكيات نفسية مختلة و تصرفات مرضية يمكن ان ياتي بها بعض البشر و لاجل هذا يمكن توفير مراكز اجتماعية لرعاية و تاهيل مثل هؤلاء الناس. المشاكل العقلية و النفسية البيولوجية يمكن ايجاد علاجات طبية لها في عالم يضع كل موارده في تحسين حياة البشر بدلا من صناعة الاسلحة و الانفاق على اجهزة فاسدة مثل الشرطة و الجيش.
التعليقات
0 التعليقات
 
وطن السلام | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .