من مواطن متعب الي حاكم جائر





أكتب لك رسالتي الأولى والأخيرة بعد ستة وعشرون عاماً قُدر لك فيها أن تحكم بلادنا وكان قدرنا أن نكون في صفوف المعارضة كل هذا الزمان .. ليس ذلك بسبب كُرهنا لكم في شخصكم بسبب جنس أو لون أو عرق ولا دين .. ولكن مرد ذلك إنقلابكم على سلطة منتخبة ذهبتم فيها إلى القصر رئيساً، وذهب الرأس المفكر والمدبر للإنقلاب للسجن حبيساً في أكبر عملية خداع مورست على أهل السودان علماً أنها لم تغيب عن فطنة حزبنا الذي سارع إلى فضحها وكشف كل أفراد الجماعة التي تقف وراءها في يومها الأول ..

تعاقب سياساتكم وممارسات الموالين لكم أورثت بلادنا خراباً صار مقيماً في بلادنا زمانُ تطاول حكمكم الذي تجاوز ربع قرن من الزمان، حتى أن الإنجازات التي تتباهون بتحقيقها قد ذهبت أدراج الرياح ولم يعد لها من أثر في حياة الناس، وليس هناك أفدح من ذهاب الجنوب وتقسيم السودان إلى جنوب وشمال، التقسيم لم يحقق سلاماً ولم يضمن
إستقراراً إلى يومنا هذا ..

بلادنا تعصف بها رياح الحرب في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة نُذر الحرب تتهددنا من جنوبنا الحبيب بسبب الملفات العالقة؛ منذ إتفاقيات السلام في أبيي، وهجليج، وبسبب عجزنا من تجاوز مرارات الماضي وسعينا لتحطيم الدولة الوليدة جزاءً ونِكالاً بإختيارهم للإنفصال علماً بأنكم من دفعتموهم دفعاً لهذا الخيار الصعب بسبب سياسات عديدة كان مُحصلتها ما إنتهى إليه الحال ..

أهل الشرق يتململون من نقض العهود، والمواثيق، وعدم إيفائكم بمتطلبات التنمية .. المجموعات التي وقعت إتفاقيات سلام من الحركات الحاملة للسلاح تتناحر وتصارع بعضها في كراسي الحكم ومحاصصات القسمة الضيزى التي لن تحقق أي سلام ولن تُوقف زخات الرصاص، وعمليات النهب، والسلب، وإزهاق الأرواح في مناطق النزاع والحروبات القائمة؛ حرب القبائل المسلحة وتنازعاتها الدائمة على الموارد؛ الأرض، العشب، الكلأ، المياه، وحتى الذهب أظهرت تهتك النسيج الإجتماعي وقدراتكم الخارقة في تأجيج وإحياء عُصبيات القبلية والعنصرية بالتقرب لهذه القبيلة وتسليحكم لأُخرى حتى إستعصى علي الأجهزة الأمنية تحقيق الأمن والإستقرار وها هو الداء يتمدد حتى وصل إلى ريفي الخرطوم ومساعي القوم تفشل في إحتواءه ومحاصرته ..

سياساتكم الخارجية إنتصرت لإنتمائُكم التنظيمي ولم تراعي عُمقنا الأمني، ولا مصالحنا الحيوية ولم تُفلحوا حتى في إقامة علاقات سوية مع دولاً تأوي أعداداً مقدرة من أبناء شعبنا المهاجرون الذين ظلوا يعملون هناك لعشرات السنين .. صرنا نُعادي دولاً عُظمى، ولا نحترم مواثيق أبرمناها مع منظمات وأمم المتحدة ونحن أعضاء فيها نترنح براً شمالاً وغرباً، ولا نعرف لنا وجهةً ولا خياراً إستراتيجياً إبتداءً من محور إيران بكل تعقيداته وتشابكاته إلى عاصفة الحزم نافضين أيدينا عن عُمقنا الأفريقي علماً بأنه لا يوجد ثمة تناقض بين مصالحنا هنا وهناك ويُمكن إستدامة علاقتنا مع كليهما ..

السيد رئيس الجمهورية

ظلت قضية الحريات وحقوق الإنسان ملفاً أسود في صحائف حكومتكم منذ إنطلاقة مارشات إنقلابكم المشئوم، ولقد عانى قادة الأحزاب والناشطين والذين يؤرقهم حال هذه البلاد من السجون، والمعتقلات، وتعذيب بيوت الأشباح، والتشريد من وظائفهم وقطع أرزاقهم، ومنعهم من السفر .. كما لاقت الأحزاب الأمرين من حظر نشاطها وإرغامها على إقامة ندواتها داخل دُورها هذا بالإضافة إلى التضييق على الصحف ومصادرتها، وتوقيع أقسى العقوبات عليها بحجبها عن الصدور أياماً وشهور دون قانون ولا لائحة فقط لرغبات جهاز أمنكم وتقديراته الذاتية ..

السيد رئيس الجمهورية

موضوع الحريات والإنتهاكات والإعتقالات هي ما دفعني للكتابة لك وتحديداً حديثكم وتحديكم للقوى السياسية؛ "بألا وجود لمعتقلين في سجونكم" ولقد سبقكم لذات الحديث مساعدكم في الحزب والدولة إبراهيم محمود الذي إدعى هو الآخر بأن "السجون خالية" .. وربما هو من خدعكم بهذا التقرير الكاذب ولكن لماذا صمت القائمون على الأمر في رئاسة جهاز الأمن والمخابرات عن هذا التصريح ؟ ولماذا لزم قادة الجهاز في شارع ٥٧ الصمت وهم الذين يعلمون يقيناً أن أربعة من عضوية حزب المؤتمر السوداني يواظبون على الحضور يومياً لمباني الجهاز بأمر منهم من العاشرة صباحاً إلى الثانية عشرة ليلاً، وعرباتهم مصادرة أو مُتحفظ عليها، ومطلوب منهم أن يُعطوا نفقات إعتقالهم بدفع المواصلات التي تقلهم كل يوم إلى مباني الجهاز والعودة ليلاً إلى منازلهم والبقاء هناك لأربعة عشر ساعةً يومياً من دون أدنى إعتبار بأن هؤلاء أرباب أُسر، ولهم زوجات، وأطفال هم عائلهم الوحيد .. كما أن هُناك طالبة يتم تخريب وضياع مستقبلها بحرمانها من الذهاب إلى الجامعة وحضور المحاضرات وأخرى خريجة جديدة تأمل أسرتها في أن تجد لها فرصة عمل يقيهم شر السؤال والمسغبة .

يبدو جلياً أن جهاز أمنكم يبتدع منهجاً جديداً في الإعتقال قوامهُ إذلال الضحايا وخصخصة المعتقلات وإلغاء عِبء نفقاتها على المعتقلين أنفسهم في ظاهرة تُعد سبقاً في تطوير أساليبه وتحايلاً على الأسلوب التقليدي الذي خبرناه في الماضي وإستبدالاً لزنازين الجهاز بالإعتقال في مساجد الجهاز التي صارت مكان الحجز البديل .. فأنظر سيدي الرئيس كيف صار بيتاً من بيوت الله معتقلاً وزنزانة على رحابته وقدسيته ومكانته في نفوس التُقاة الخاشعين القانتين الساجدين .. أما كفاكم تشويه الرسالة الخالدة بتقديمكم أسوء نسخة لها والآن تمتد أياديكم لبيوت الله ومساجده بتدنيسها بالإعتقالات الظالمة ؟ فقط من أجل أن تخرجوا للناس مُدعيين ومتحدين بقولكم "من كان له معتقلاً فليقل لنا" ؟

ها نحن نقول لكم الآن وعلى ثقة أن صدى رسالتنا سيطرق آذانكم ويبلغ مسامعكم فماذا أنتم فاعلون لمسجد يتحول في شارع ٥٧ لزنزانة ومعتقلون قابعون هناك لأربعة عشرة ساعة يومياً ؟ وسنزيدكم من الشعر بيتان؛ بالأمس ليلاً إعتقل ذات جهاز أمن شارع ٥٧ ثمانية من عضوية المؤتمر السوداني أطلق سراح بعضهم بعد أن أوسعهم ضرباً وشتماً حتى شُج رأس أحدهم بعقب المسدس، وألحق أضراراً برُكبة أحدهم، وطلب من ثلاثة منهم الحضور اليومي لمباني الجهاز على نسق الذين سبقوهم .. فماذا تُسمي هذا وأي دينٌ وأي أخلاق ودستوراً يُطلق أغنام الملك على هواها تعتقل، تضرب، تشتم، تسب، وتلعن، وتُطلق سراح من ترى وتستدعي بالأيام الطويلة من تريد ؟؟

أما سمعت قول من سُميت بإسمه عمر الفاروق يُطلق صرخته المدوية : ( متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ) ؟! أين أنتم من سيرة السلف الصالح هذا في عدلهم، وقسطهم، وزهدهم ، وتقواهم في العباد وخشيتهم أن يُسألوا من شاة تعثرت في أصقاع العراق فما بالكم أنتم تفعلون ببني آدم الذي كرمه الله بهذا الإذلال والإهانة وكسر العزة وشمم النفوس ؟ كيف يحدث هذا من أيدي متوضئة تتلطخ بتعذيب وضرب شباب عُزل ومسالمين ؟ كل ذنبهم أنهم يحلمون بوطن حُر وبالعدل والمساواة وبالحياة الكريمة لشعبهم .. لماذا تدفعوا بهم للتطرُف والعنف ومغادرة الأوطان والضياع في رحلات الموت والغرق في مراكب الأطلنطي والبحر المتوسط الشهيرة ؟
إتقوا الله في البلاد والعباد وقولوا لنا قولاً حسناً
ويكفينا منكم ما إقترفته أيديكم في حق أهلنا وشعبنا وأرض بلادنا ..

السيد الرئيس

لأهل هذه البلاد تأريخ طويل وممتد في مقارعة الفساد والإستبداد لم يسجل التاريخ أن طاغية قد إنتصر عليهم من لدُن غردون وهكس باشا مروراً بالطُغاة من أبناء جلدتهم كُلهم قد ذهبوا وبقى هذا الشعب وسيرة أبطاله يتغنونها جيلاً من بعد جيل ..

نحن أبناء هذه الأرض الطيبة القادمين من رحم معاناة شعبنا ومن أحلامهم وأشواقهم في حياةٍ كريمة لن نُساوم، ولن نُهادن في قضايا شعبنا في الحرية، والديمقراطية، وتحقيق السلام العادل، ولن تثنيينا المعتقلات وسوء المعاملة، وطرائق التدليس الجديدة، والمُكر والضرب، والسحل من أن ترتفع أصواتنا عالية منادية بتغيير هذا الواقع الكالح، والتبشير بالسودان الذي نحلم به .

اللهم قد بلغت فأشهد .. وكلكم راعي ومسئول عن رعيته .
التعليقات
0 التعليقات
 
وطن السلام | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .