أوباما.. ورحلة العودة إلى الجذور


في ختام فترة ولايته، واستعداده لمغادرة البيت الأبيض، حرص
الرئيس الأميركي باراك أوباما على أن يُظهر انتماءه للقارة الإفريقية، واعتداده بأصوله السوداء كأول أميركي من أصل إفريقي يصل سدة الحكم في الولايات المتحدة، بعد صراع مرير خاضه السود لتحقيق المساواة واسترداد حقوقهم المفقودة في وطنهم الجديد.

وقد عبَّر أوباما في مطلع زيارته لكينيا عن تفرده بأنه الرئيس الأميركي الوحيد الذي يزور كينيا، وهو من سلاسلة كينية، وقدم وعودا بزيارات لاحقة أكثر حميمية واقترابا من الناس، بعد أن يتحلل من القيود التي يفرضها حاليا عليه وضعه السيادي في أميركا، وهي قيود حالت لأسباب أمنية دون زيارته لقبر أبيه كما تقضي أعراف قبيلته، فوعد أن يؤدي هذا الواجب في زيارة قادمة بعد أن يغادر كرسي الرئاسة.

في هذه الزيارة حرص أوباما أن يؤكد على مواقف سياسية محددة في رسائل بثها في مخاطباته في كينيا وإثيوبيا خلال زيارة الأيام الخمسة- حث الأنظمة الإفريقية الحاكمة على الالتزام بالحكم الديمقراطي الراشد ومحاربة الفساد وحماية ورعاية حقوق الإنسان كمرتكزات أساسية لن تستقر إفريقيا دون أن تنجزها ولم يجامل إثيوبيا كدولة مضيفة عندما لفت نظرها إلى تجاوزات في حقوق الإنسان رغم إشادته بجهودها في مجالات أخرى- وبالمقابل حرص على أن يؤكد للقادة الأفارقة الذين التقاهم التزام أميركا بدعمهم الدعم كله في محاربة الإرهاب، مركزا بصورة خاصة على منظمة الشباب الصومالية التي تبنت هجمات في شرق إفريقيا كان نصيب كينيا منها هو الأكبر، وقد عانت منه الولايات المتحدة، إذ كان تفجير سفارتها في نيروبي هو الحدث الأكثر خطورة، وضحاياه تجاوز عددهم المائتي قتيل. وقد أشاد بدور كل من كينيا والصومال في مقاومة أنشطة الشباب الصومالي.

كثير من المراقبين قرؤوا في النشاط الذي ابتدره الرئيس الأميركي وهو يستعد لمغادرة البيت الأبيض مؤشراً على أنه ينوي بعد تخليه عن المنصب الرئاسي أن يكرس نشاطه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من أجل إفريقيا، ولاء لصلة الدم التي ربطته بالقارة عامة وكينيا بصفة خاصة، وربما كان القادة الكينيون يتطلعون لمثل هذا الجهد من رئيس أميركي سابق، ولذلك كانت زيارته لكينيا حدثا غير مسبوق بالنسبة لحفاوة الكينيين وللاستعدادات التي سبقت الزيارة وواكبتها، وقد كنت في نيروبي يوم أن تمت الزيارة الرئاسية وشهدت كيف جندت كينيا كل إمكاناتها وكيف جملت المدينة وكيف (أفرغتها) من أطفال الشوارع والمتسولين، وكيف نفذت أكبر عملية تأمين عسكري في تاريخها الحديث، وكيف أضافت عشرة ألف شرطي للقوة التي تحرس مدينة نيروبي، وكيف أغلقت الأجواء الكينية أمام الملاحة الجوية إبان هبوط ومغادرة الطائرة، وكيف وضعت خطة التأمين الأمني للزيارة التي أشرف على تنفيذها جوا وبحرا الأميركيون، فغطت طائراتهم بطيارين وبلا طيارين أجواء المنطقة، وغطت (كاميراتهم) ليس الأراضي الكينية فحسب، بل كل دول الجوار لرصد أي تحركات، وكيف كانت بوارجهم في حالة استعداد قرب الشواطئ الكينية وكيف نشروا المراقبين والمتابعين على الأرض. إجراءات استثنائية لم تتكرر بنفس هذا القدر في إثيوبيا التي باتت معتادة على زيارات الرؤساء منذ أن أصبحت مقراً للاتحاد الإفريقي وقبله منظمة الوحدة الإفريقية.

ومع اهتمامه بالقضايا السياسية وقضايا الإرهاب فإن أوباما أبدى اهتماما ما بالنهوض الاقتصادي في إفريقيا بحكم مشاركته في فعاليات المؤتمر الثالث لرواد رجال الأعمال في إفريقيا، الذي كان السبب الرسمي لزيارته، والذي حث فيه رجال الأعمال الأفارقة على ارتياد آفاق جديدة لنهضة إفريقيا، مؤكداً لهم التزام أميركا بدعم جهودهم، وطمأنهم بأن مشروعه (لكهربة) إفريقيا هو الآن قيد التنفيذ، وأن نتائجه ستظهر عما قريب، واستمع إلى الصعوبات التي يواجهونها والعقبات التي تعترض أنشطتهم الاقتصادية ووعد بمزيد من الجهد.

لكن أوباما أخر لجنوب السودان مبادرته المحددة والمتمثلة في سعيه لتكوين تحالف من دول الجوار لمواجهة الوضع الذي وصفه بالمأساوي والكارثي في جنوب السودان، وربما كان وهو يتحدث عن (خيبة أمله) في مآلات الأوضاع في جنوب السودان يستشعر عقدة الذنب، لأن أميركا ظلت على مدى عقود من الزمان تسعى لفصل جنوب السودان عن شماله، دون أن تفكر في عواقب الأمور، ومع التسليم بأنه قد ينجح في تشكيل هذا التحالف وفي ممارسة الضغط على أطراف الصراع، وفي حملهم على قبول التسوية السياسية فإن الآمال في استمرارية الحل الذي يتم التوصل إليه ما زالت بعيدة، ولكن هذا موضوع آخر!!
التعليقات
0 التعليقات
 
وطن السلام | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .