في السودان: الرق مستمر!



محمد عثمان ابراهيم
www.dabaiwa.com
يبدي البعض استغراباً ـ غير مؤسس ـ إذ يتناولون الأخبار عن الجرائم المروعة التي تحدث هنا أو هناك في بيادر السودان وريفه ثم يختمون بتساؤل كبير عماذا حدث لهذا الشعب؟ البعض يلقي باللوم على الحكومة وعلى الإنقاذ إذ يحملونها مسئولية ما يعتقدون أنه تغيير حدث للناس وفي النفوس. الحقيقة أن للإنقاذ جرائمها الخاصة ولكنها غير مسئولة عن انتشار المخدرات، والإغتصاب، والسحر الأسود، والجرائم ضد الأطفال، والإتجار بالبشر. لا يستهدف هذا البيان تبرئة السلطة أو توجيه الإتهامات لها لكنه يدعو للنظر في مشاكلنا الإجتماعية كما هي لا كما نشتهي أن تكون. نحن لسنا مجتمعاً سماوياً! صحيح لدينا دين، وأعراف، وتقاليد وما نسميه (الخلق السوداني) وهو معيار نموذجي نعتقد ان الأصلح لضمان عيش الناس بأمان في فضاءاتهم. بعيداً عن ذلك فممارسة الكثير من الرذائل ـ دون أن نتورط في أي تفاصيل ـ بعضها كان والبعض الآخر لا يزالمسلكاً مقبولاً لدى المجتمع. صحيح أن ممارسي الرذائل كانوا استثناء وقلة ولكن الجماعة الغالبة كانت تنظر اليهم بتعاطف ربما يمتد اكثر الى درجة التواطؤ معهم وما مَثلنا الذي يقول إن “السكران في ذمة الواعي” إلا أحد تجليات هذا التواطؤ. أي شخص في الخمسين من عمره يمكن ان يحدث بذكريات لا تخطر ببال أحد من الجيل التالي عن كيف كانت الحياة تمضي. لابد لأي مواطن سوداني ـ بلا استثناءـ أن يكون قد سمع بجريمة قتل في طفولته وربما جرائم قتل. السرقة كانت سلوكاً غير مستهجن لدى الكثيرين وقد خلدته الأناشيد شعراً. السجن نفسه لم يكن سبة وكان“بيت الرجال”، أي بعبارة أخرى “ السجن للجدعان”.
الإختلاس لم يكن ولم يتحول حتى الآن الى جريمة في ذهننا الجماعي واللصوص يملأون نشرات التلفزيون، والبرامج الإخبارية ويتصدرون صفحات الصحف الأولى.
لا يمكن أن يشعر من اختلس أو سرق أو نهب بهذه الثقة إلا إذا توفرت له بيئة حاضنة حفية. علينا مراجعة ذواتنا وسلوكياتنا وأعرافنا قبل أن نوجه لعناتنا الى البعيد. علينا ان ننشط الإستياء من الجريمة. الحق يقال صحافتنا تفعل كثيراً في هذا الجانب، وعلى ثقافتنا وأدبنا وشعرنا أن يرتقوا الى مستوى القيم الرفيعة التي تأبى التصالح مع الخطأ.
وردتني هذه الخواطر بمناسبة الحديث المتكرر عن الإتجار بالبشر والتقاعس الرسمي المريب معه. إن اختطاف ابن آدم واحد وقتله لاستخدام أعضائه كقطع غيار جريمة غاية في البشاعة ينبغي أن نستحي منها جميعاً. لست ادري كيف ستعيش سيدة روى لي من أثق في صدقه أن صبيها ذي الثانية عشر قد اختطف وأن أعضاءه ربما تخفق الآن في أجساد أخرى دفعت الثمن. قصة الطفل تصلح لفيلم وثائقي مفجع!
اختطاف الأطفال في السابق كان موجوداً وظلت (السنابيك) في البحر الأحمر ، طوال عقود، تحمل أطفالاً بعضهم دون الثالثة من أعمارهم ليشاركوا في الترفيه عن ساداتهم الصحراويين في سباقات الهجن. السودان كان أحد البلدان الرئيسية المصدرة لأطفال السباقات الذين كان يتم ضربهم، وإرهاقهم، وتجويعهم حتى يبقى وزنهم دون العشرين كيلوجراماً! ولست ادري كيف لا يشعر وزراء الداخلية عندنا بالعار والأمر قد تم تحت أبصارهم.
ما اشبه الليلة بالبارحة! تجارة الرقيق انتهت قبل أقل من مائة عام، وجاءت بعدها تجارة سباق الهجن، والآن تجارة الأعضاء البشرية! الرق مستمر!
الحكومة ليست مسئولة عن الجرائم لكنها مسئولة عن هذا التقاعس المريب في حماية الناس.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
وطن السلام | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .