مقتطفات من الادب العالمي

Photo: ‎"أنا رجلٌ مضحك، وهم ينعتونني الآن بالمجنون، وقد كانَ من شأن هذا النعت أن يكونَ رفعاً من قَدْري لو أنّهم تراجعوا عن اعتباري مضحكاً، كما فعلوا في السابق. لكنني بعد اليوم لن أغضبَ عليهم، فجميعُهم لطفاء بالنسبة لي حتى وهم يهزؤون بي، بل لعلهم يصبحونَ أكثر لطفاً حين يفعلونَ ذلك، ولو لم أكن شديد الحزنِ وأنا أنظر إليهم لضحكت معهم ليسَ على نفسي بالطبع ولكن لكي أُسرّي عنهم، شديد الحزن لأني أراهم يجهلونَ الحقيقة؛ بينما أعرفُها أنا، ما أصعَبَ الأمرَ على من يعرف الحقيقةَ وحده، إنهم لن يفهموا ذلك".

دويستويفسكي / حلم رجل مضحك‎
"أنا رجلٌ مضحك، وهم ينعتونني الآن بالمجنون، وقد كانَ من شأن هذا النعت أن يكونَ رفعاً من قَدْري لو أنّهم تراجعوا عن اعتباري مضحكاً، كما فعلوا في السابق. لكنني بعد اليوم لن أغضبَ عليهم، فجميعُهم لطفاء بالنسبة لي حتى وهم يهزؤون بي، بل لعلهم يصبحونَ أكثر لطفاً حين يفعلونَ ذلك، ولو لم أكن شديد الحزنِ وأنا أنظر إليهم لضحكت معهم ليسَ على نفسي بالطبع ولكن لكي أُسرّي عنهم، شديد الحزن لأني أراهم يجهلونَ الحقيقة؛ بينما أعرفُها أنا، ما أصعَبَ الأمرَ على من يعرف الحقيقةَ وحده، إنهم لن يفهموا ذلك".

دويستويفسكي / حلم رجل مضحك 
ـــــــــــــــــــــــــ
 
Photo: ‎مقتطف من رواية " انقطاعات الموت " 
للكاتب البرتغالي الكبير  " خوسيه ساراماغوا .

"في اليوم التالي لم يمت أحد. تلك حقيقة مؤكدة. ولأنها تناقض قوانين الحياة، فقد أثارت قلقا هائلا و مبرّرا جداً في عقول الناس. علينا أن نتذكر أنه في الأربعين مجلداً من تاريخ العالم لم تحدث مثل هذا الظاهرة ولو لمرة واحدة، لم يحدث أن مر يوما كاملا بساعاتِه الأربع والعشرون، بنهاره وليله، دون أن يقع موتا واحدا لمرض,أو لسقوط قاتل، أَو لانتحار ناجح،.... ليس ثمة موت واحد. ولا حتى من حادثة سيارة، وهو أمر شائع حدوثه في المناسبات البهيجة، عندما يلتحم التهور والإفراط في الكحول ليتسابقا في تحديد من سيصل الموت أولاً. حتى عشية السنة الجديدة أخفقتْ في أن تتَرْك خلفها،كعادتها، طابور الضحايا المفجع.
بدا الأمر كما لو أن "اتروبوس" (آلهة الموت) العجوز بأنيابها الحادة قد قرّرتْ التخلي عن حصتها هذا اليوم. ورغم غياب الموت، لم تغب الدماء. 
بحيرة، وارتباك، وذهول، كافح رجال الإطفاء من أجل السَيْطَرة على شعورهم بالغثيانِ، وهم ينتزعون البقايا المشوّهة التعسة مِنْ الأجساد التي، طبقاً للمنطقِ الرياضيِ الصارم، لا أمل لها في الحياة. و بالرغم مِنْ خطورة الإصابات والجروحِ فقد بقت حيّةً وحُمِلَت إلى المستشفى، يرافقها صخب أصوات سيارةَ الإسعاف. لم يمت احد من المصابين في الطريق وتحدوا بذلك أكثر التوقعات الطبية تشاؤما.
"لا يوجد ما يمكننا فعله، لا جدوى من إجراء العمليات, إنها مضيعة كاملة للوقت"، حدث الجرّاح الممرضة بينما كَانتْ تُعدّل قناعه. المريض الذي كان من المستحيل أن يعش بالأمسِ، بدا اليوم واضحا أنه يرفض المَوت، وأن ما يحدث هنا يتكرر في أرجاء البلاد.
حتى أخر قبس مِنْ أخر ليلِ في السَنَة كان الناس يلقون حتفهم في التزام كاملِ بقواعد اللعبة، سواء تلك المتعلقة بلب المسألة، إي إنهاء الحياة، أو تلك المتعلقة بشكلها إي الدرجات المتفاوتة من مظاهر الأبهة والوقار التي ستصحب اللحظة القاتلة.
لكن ثمة حالة مثيرة جداً، ربما لطبيعة الشخص المعني، وهي الملكة الأمِ العجوز الوقور. ففي الدقيقة الواحدة بعد منتصف الليل من الحادي والثلاثونِ لديسمبر/كانون الأول، ما كان أكثر الناس سذاجة ليراهن على بقاء السيدة العجوز على قيد الحياة. لم يكن ثمة أمل، ومع عجز الأطباء في وجه الحقائق الطبية القاهرة، لم يكن أمام العائلة المالكة ما تفعله سوى أن تجلس باستسلام وبشكل منظم حول السرير، في انتظار الأنفاس الأخيرة لكبيرة الأسرة المالكة، ربما لسماع بضعة كلمات منها, أو تعليقا أخيراً حول التنشئة الأخلاقية لأحفادها المحبوبين،أو جملة مؤثرة موجهة إلى الذاكرة الجاحدة للأجيال القادمة.
بعد ذلك، بدا الزمن كما لو أنه تَوقّف، لم يحدث شيء. لم تتحسن حالة الملكة الأم ولم تتدهور، بَقيت معلقة، يتأرجح جسدها النحيف على حافة الحياة، مهدد في إي لحظة بالسقوط في الجانب الآخر، يشده طرف خيط واهي إلى هذا الجانب، بينما يواصل الموت شد الطرف الأخر. وهكذا دخلنا اليوم التالي، و كما قلنا في بداية الحكاية، كان اليوم الذي لم يمت فيه أحد".‎مقتطف من رواية " انقطاعات الموت "
للكاتب البرتغالي الكبير " خوسيه ساراماغوا .

"في اليوم التالي لم يمت أحد. تلك حقيقة مؤكدة. ولأنها تناقض قوانين الحياة، فقد أثارت قلقا هائلا و مبرّرا جداً في عقول الناس. علينا أن نتذكر أنه في الأربعين مجلداً من تاريخ العالم لم تحدث مثل هذا الظاهرة ولو لمرة واحدة، لم يحدث أن مر يوما كاملا بساعاتِه الأربع والعشرون، بنهاره وليله، دون أن يقع موتا واحدا لمرض,أو لسقوط قاتل، أَو لانتحار ناجح،.... ليس ثمة موت واحد. ولا حتى من حادثة سيارة، وهو أمر شائع حدوثه في المناسبات البهيجة، عندما يلتحم التهور والإفراط في الكحول ليتسابقا في تحديد من سيصل الموت أولاً. حتى عشية السنة الجديدة أخفقتْ في أن تتَرْك خلفها،كعادتها، طابور الضحايا المفجع.
بدا الأمر كما لو أن "اتروبوس" (آلهة الموت) العجوز بأنيابها الحادة قد قرّرتْ التخلي عن حصتها هذا اليوم. ورغم غياب الموت، لم تغب الدماء.
بحيرة، وارتباك، وذهول، كافح رجال الإطفاء من أجل السَيْطَرة على شعورهم بالغثيانِ، وهم ينتزعون البقايا المشوّهة التعسة مِنْ الأجساد التي، طبقاً للمنطقِ الرياضيِ الصارم، لا أمل لها في الحياة. و بالرغم مِنْ خطورة الإصابات والجروحِ فقد بقت حيّةً وحُمِلَت إلى المستشفى، يرافقها صخب أصوات سيارةَ الإسعاف. لم يمت احد من المصابين في الطريق وتحدوا بذلك أكثر التوقعات الطبية تشاؤما.
"لا يوجد ما يمكننا فعله، لا جدوى من إجراء العمليات, إنها مضيعة كاملة للوقت"، حدث الجرّاح الممرضة بينما كَانتْ تُعدّل قناعه. المريض الذي كان من المستحيل أن يعش بالأمسِ، بدا اليوم واضحا أنه يرفض المَوت، وأن ما يحدث هنا يتكرر في أرجاء البلاد.
حتى أخر قبس مِنْ أخر ليلِ في السَنَة كان الناس يلقون حتفهم في التزام كاملِ بقواعد اللعبة، سواء تلك المتعلقة بلب المسألة، إي إنهاء الحياة، أو تلك المتعلقة بشكلها إي الدرجات المتفاوتة من مظاهر الأبهة والوقار التي ستصحب اللحظة القاتلة.
لكن ثمة حالة مثيرة جداً، ربما لطبيعة الشخص المعني، وهي الملكة الأمِ العجوز الوقور. ففي الدقيقة الواحدة بعد منتصف الليل من الحادي والثلاثونِ لديسمبر/كانون الأول، ما كان أكثر الناس سذاجة ليراهن على بقاء السيدة العجوز على قيد الحياة. لم يكن ثمة أمل، ومع عجز الأطباء في وجه الحقائق الطبية القاهرة، لم يكن أمام العائلة المالكة ما تفعله سوى أن تجلس باستسلام وبشكل منظم حول السرير، في انتظار الأنفاس الأخيرة لكبيرة الأسرة المالكة، ربما لسماع بضعة كلمات منها, أو تعليقا أخيراً حول التنشئة الأخلاقية لأحفادها المحبوبين،أو جملة مؤثرة موجهة إلى الذاكرة الجاحدة للأجيال القادمة.
بعد ذلك، بدا الزمن كما لو أنه تَوقّف، لم يحدث شيء. لم تتحسن حالة الملكة الأم ولم تتدهور، بَقيت معلقة، يتأرجح جسدها النحيف على حافة الحياة، مهدد في إي لحظة بالسقوط في الجانب الآخر، يشده طرف خيط واهي إلى هذا الجانب، بينما يواصل الموت شد الطرف الأخر. وهكذا دخلنا اليوم التالي، و كما قلنا في بداية الحكاية، كان اليوم الذي لم يمت فيه أحد".
 
التعليقات
0 التعليقات
 
وطن السلام | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .