في فشل الأيديولوجيا الإخوانية طارق أبو العينين




محمد مرسي محمد مرسي

مصر على وشك الانفجار. هذا هو العنوان العريض الذي بات يلف مجمل المشهد السياسي والاجتماعي المصري، فوتيرة الأزمات المتصاعدة على جبهات عدة تنذر بهذه النتيجة.
في ما يتعلق أولاً بالدستور، فإن انسحاب القوى المدنية من الجمعية التأسيسية وضعها في موقف بالغ الحرج أمام الرأي العام خصوصاً في ظل الاتهامات التي طاولتها بالتعجل الشديد في وضع مواد الدستور وصوغه وفقاً لهوى القوى الإسلامية بما لا يحقق في النهاية أهداف ثورة يناير ومطالبها. وفي ما يرتبط ثانياً بملف حرية الإعلام، فإن قرار وزير الإعلام «الإخواني» صلاح عبدالمقصود بغلق قناة «دريم» الفضائية أثار حفيظة الإعلاميين الذين يعتقدون أنه اتخذ لتصفية حسابات سياسية مع تلك القناة لموقفها المعارض لسياسات «الإخوان». أما في ما يتعلق ثالثاً بالملف الاقتصادي والاجتماعي، فإن حادثة قطار أسيوط التي راح ضحيتها 51 قتيلاً أثبتت استمرار مسلسل انهيار الدولة المصرية ورخاوتها بعد ثورة يناير وعجزها عن تلبية المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للمصريين. وفيما يرتبط رابعاً بالوضع الأمني في سيناء فإنه بات من المؤكد أنها أصبحت خارج إطار سيطرة الدولة ومؤسستها العسكرية والأمنية مع تكرار عمليات استهداف الدوريات الأمنية المصرية وأقسام الشرطة من قبل المسلحين الجهاديين في سيناء. وأخيراً فإن إحياء الثوار الذكرى الأولى لأحداث محمد محمود التي تزامنت مع تلك الأزمات، ذكر الجميع بموقف جماعة «الإخوان» من تلك الأحداث وانصرافها لحصد مكاسبها السياسية والانتخابية وتخليها بالمقابل عن الثورة وأهدافها.
وهو ما يعني أن الرئيس المصري محمد مرسي ليس مسؤولاً عن انفجار كل تلك الأزمات، بصفته رئيس الدولة الذي يملك سلطتي التشريع والتنفيذ بمقدار ما هو مسؤول عنها بصفته معبراً عن مواقف جماعة «الإخوان» وانحيازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية، ومن ثم فإن كل هذا الركام والحطام هو نتاج لطبيعة تكوين تلك الجماعة والذي انعكس على أداء الرئيس والدولة مفجراً كل تلك الأزمات.
فأزمة «الإخوان» تكمن في أنها جماعة تقليدية أتت لحكم مصر في لحظة تحول ثوري ولكنها تحاول في شكل دؤوب فك هذا التناقض من خلال قولبة الثورة وأهدافها ومكتسباتها في قالب دوغمائي يتناسب مع الخط الأيديولوجي الناظم لأفكار الجماعة الراسخة وقناعاتها وهو ما انعكس على ملفات مهمة كالدستور وحرية الإعلام وتحولات الواقع الاقتصادي والاجتماعي في مصر والوضع الأمني في سيناء.
لذلك، لم يكن غريباً أن تنتج تلك الجماعة انطلاقاً من فكر ميتافيزيقي - ميثولوجي خطاباً أيديولوجياً فاشياً ساوى بين معارضي الرئيس مرسي ومشركي مكة وشبهه بالنبي يوسف الذي خرج من السجن إلى حكم مصر وتعامل كذلك مع رفض القوى المدنية لمسودة الدستور بصفته إثارة للفتنة وتعاطى مع الإعلاميين باعتبارهم مجموعة من الفلول الذين يحاولون إعادة إنتاج النظام القديم ويتربحون ويحتمون بمنظومة فساده وأهمل أيضاً أعباء الملفات الجماهيرية ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية مقايضاً إياها بحشد الجماهير حول هدف نبيل هو تطبيق الشريعة على رغم مخالفة ذلك لمضامينها وجوهرها الحقيقي المتمثل في تحقيق النفع العام وحفظ الأرواح والأموال، وتنازل في النهاية عن هدف استراتيجي كحفظ الأمن في سيناء لأن وجود الأنفاق بين مصر وغزة قد يحقق يوماً ما حلم إنشاء إمارة إسلامية بين «إخوان» مصر و «إخوان» غزة.
يؤكد ذلك في النهاية أن عملية التحول الثوري التي يطمح ويسعى لها «الإخوان» في مصر انطلاقاً من أيديولوجيتهم الفاشلة في التعاطي مع تلك الأزمات لن يتعدى بأي حال من الأحوال بناء نظام شمولي يحتمي ويبرر استبداده بتلك الأيديولوجيا ويحاول تغطية هذا الفشل باستخدام أدوات نظام مبارك القمعية والتسلطية وتوظيفها.
* كاتب مصري
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
وطن السلام | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .