السودان: الحكومة والمعارضة على مشارف السلام



قطع السودانيون مسافة معتبرة من الجسر المؤدي للسلام والاستقرار، عندما وقعت 4 قوى رئيسية من المعارضة المسلحة والمدنية على «خريطة الطريق»، التي صادقت الحكومة السودانية عليها في مارس/آذار الماضي، بعد أن قدمها الوسيط الإفريقي رئيس جنوب إفريقيا السابق، تابو امبيكي، ولكن قوى المعارضة رفضتها وطالبت بوضع تحفظها على بعض بنودها في ملحق للخارطة، ثم عادت ووقعت بعد تعهدات من الوسيط، وسط حضور غربي وإفريقي وسوداني ضاقت به ردهات فندق «راديسون بلو» في العاصمة أديس أبابا.
لتنطلق بعدها مفاوضات لوقف العدائيات في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق مع الحركة الشعبية - قطاع الشمال، وفي مسار آخر مع الحركات المسلحة في دارفور، في وقت ينتظر الجميع أن يدعو الوسيط الإفريقي للقاء تحضيري يجمع قوى المعارضة والحكومة الشهر المقبل، وهو اللقاء الذي ألقى بظلاله على جميع تحركات المعارضة وتحفظات الحكومة السودانية، بينما كانت مفاوضات وقف العدائيات مع الحركة الشعبية رهينة بالموقف من إيصال المساعدات الإنسانية إلى إقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وشكل «الترتيبات الأمنية» مع المدة المقترحة لوقف إطلاق النار المسار الثاني الخاص بوقف العدائيات، بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور، شهد عراقيل في البدء لكن جرى افتتاح أعماله بعد مرور 48 ساعة، وتهيمن عليه تخوفات حركات دارفور من أن تكون خاتمة المطاف هي عودتهم إلى اتفاقية «الدوحة» التي يرفضونها وتريد الحكومة جرهم إليها وتحديد مواقع ميليشيات حركات دارفور.
ظل مسار وقف العدائيات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية المتعلق بإقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق، على حافة الانهيار طوال أيام المفاوضات، ولكن، أول أمس السبت، حدث اختراق وقدمت الحركة الشعبية تصوراً للشكل النهائي للترتيبات الأمنية عبر ورقة قدمتها للوساطة، واطلعت عليها «الخليج»، طالبت فيها بأن يتم دمج قواتها في جيش سوداني واحد بعد إعادة بنائه، وأيضاً في قوات الأمن الأخرى مع حظر كل الميليشيات بما فيها قوات «الدعم السريع» على أن يتم ذلك بعد الترتيبات السياسية في المنطقتين، وأن تشمل عملية نزع السلاح قوات من الطرفين.
في وقت تحفظت الحكومة على هذه المقترحات باعتبار أن القوات التي تطالب الحركة بتسريحها ليست ميليشيات، ولكنها قوات نظامية، واتهمت الحركة الشعبية بأنها تريد أن تقفز على المراحل بطرح الشكل الأخير للترتيبات الأمنية، وموقع جيشها منها، قبل التوصل لاتفاق حول وقف العدائيات، وقال السفير حسن حامد، المتحدث باسم وفد الحكومة إنهم كان بإمكانهم الوصول لاتفاق يوم السبت الماضي لولا تعنت وفد الحركة.

المحادثات رهينة المسارات الإنسانية

لكن تظل القضية المحورية التي تسيطر على هذا المسار، هي إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الصراع في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ووقف الأعمال العدائية المفضي لوقف إطلاق نار دائم، حيث في هذا الصدد توجد رؤيتان تصطرعان، الحكومة السودانية ترى أن اتفاق وقف العدائيات، يجب أن يكون لشهرين فقط، وأن يتم تجميد قوات جيش الحركة الشعبية في المناطق التي فيها، وأن تكون هناك حرية لقوات الحكومة بالانتشار وإعادة الانتشار، بدعوى ممارسة سيادة الدولة على أراضيها.
وفي الشق الإنساني يقول مساعد الرئيس السوداني، إبراهيم محمود ل«الخليج»، إنهم يطالبون بتنفيذ الاتفاق الثلاثي مع (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية) الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية، وتشترط الحكومة في ذلك أن تأتي من داخل السودان فقط.
من ناحية أخرى، يقول كبير مفاوضي الحركة الشعبية، ياسر عرمان ل«الخليج» إنهم مستعدون لوقف عدائيات لمدة عام واحد، ويرفضون تجميد قواتهم لوحدها، وإعطاء حق الانتشار، وإعادة الانتشار للجيش الحكومي، وفي الشق الإنساني قال عرمان ل«الخليج» إنهم قدموا تنازلاً بأن تأتي 80% من المساعدات والإغاثات من داخل السودان و20% من الخارج عبر إثيوبيا وجنوب السودان، واعتبر الاتفاق الثلاثي غير صالح من جانبهم.
وقال المتحدث باسم وفد الحكومة المفاوض السفير حسن حامد «نحن مع إيصال الإغاثة ولكن ليس عبر الحدود، وأية دولة ذات سيادة لا يمكن أن تقبل بذلك، ونحن دولة مكتملة المؤسسات والأكثر حرصاً على إيصال المساعدات للمواطنين المتضررين». وأضاف أن إجمالي عدد النازحين 289 ألف نازح، منهم 184 ألف نزحوا إلى مناطق الحكومة و105 آلاف نزحوا إلى دولة جنوب السودان من جملة 493 ألف مواطن في ثلاثة محليات بجنوب كردفان، تتواجد فيها الحركة الشعبية، وهي محليات هيبان 222 ألفاً، وأم دورين 115 ألفاً، وبرام 156 ألفاً.
نلحظ أن استراتيجية التفاوض للحكومة السودانية في هذا الشق تقوم على ضرورة الوصول لوقف العدائيات بأسرع ما يمكن، وأن يكون محدداً بزمن قصير ومحدود، على أن تستفيد من إعلان وقف العدائيات في الحصول على تصريح رسمي من إدارة الرئيس أوباما، برفع اسم السودان من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب قبل انتهاء فترته، وكان مدير مكتب المبعوث الأمريكي للسودان قال ل«الخليج» إن حال حدوث لوقف العدائيات فإن الإدارة الأمريكية ستوصي برفع السودان من قائمة الإرهاب.
بينما تقوم استراتيجية الحركة الشعبية في هذا الخصوص على الوصول إلى وقف عدائيات بمدة طويلة (سنة واحدة) وأن يكون مراقباً دولياً، وأن تكسب دخول المساعدات الإنسانية من خارج السودان، حتى لا تضع رقبتها تحت سيف الحكومة، متى ما قررت الخرطوم العودة إلى الحرب، أو السيطرة على مسارات الإغاثة، لكن الحكومة السودانية ترى أن دخول المساعدات من الخارج سيمثل مصدر إمداد لجيش المتمردين، وسيساعدهم على تقوية أنفسهم وتعتبرهم غير جادين، وأنهم يعدون لحرب ثانية أشمل.

مقترحات قيد التداول

لكن في هذا الصدد يلعب المجتمع الدولي والأمم المتحدة الدور الأكبر، وفي حديث خاص لصحيفة «الخليج» قال أحد المسؤولين الغربيين، إن الأمم المتحدة تسعى للحصول على موافقة الطرفين بتفويضها في هذا الجانب، لتقوم بدراسة جدوى للمفاضلة بين دخول المساعدات من الداخل والخارج من حيث اللوجستيات والتكلفة والجدوى، وأن تقرر هي الطريق الأمثل، باعتبارها الجهة التي ستوصل المساعدات وتتكفل بها مادياً.
كما يرى المسؤول الغربي الرفيع في حديثه ل«الخليج» أن هناك فكرة أخرى تتخمر ويسعى الجميع لطرحها على الطرفين، وهي أن يقتصر دخول المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان من داخل السودان فقط، وأن تدخل المساعدات إلى النيل الأزرق من دولة إثيوبيا كحل توفيقي بين الطرفين.


اللقاء السياسي

ظلت قضية الحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة بشقيها المسلح والأحزاب السلمية، هو القضية المركزية في المفاوضات التي تُجرى في إثيوبيا، وكان المبعوث الأمريكي للسودان دونالد بوث، الذي يرعى المفاوضات كشف ل«الخليج» في تصريح خاص، أن الوسيط الإفريقي تابو امبيكي سيدعو إلى لقاء سياسي في أديس أبابا الشهر المقبل، وأن يضم لجنة (7+7) التي تمثل الأحزاب التي شاركت في الحوار السياسي الذي أجرته الحكومة في الخرطوم، وانتهت أعماله الشهر الماضي لحل القضية السياسية، وأزمة الحكم في السودان، والأطراف الأربعة الذين وقعوا على خريطة الطريق لحل الأزمة قبل أيام في أديس أبابا.
في السابق كانت الحكومة السودانية ترفض حضور هذا اللقاء، بينما تطالب المعارضة بضرورة وجود الحكومة كطرف حتى تلتزم بمخرجات اللقاء السياسي المرتقب في إثيوبيا، الذي تسميه مؤتمراً تحضيرياً للحوار الشامل، لكن مساعد الرئيس السوداني إبراهيم محمود، كشف في تصريح ل«الخليج» أن الحكومة ستحضر اللقاء المرتقب من ضمن وفد لجنة (7+7) ممثلة في شخصه، ومعلوم أن الرجل هو من يقود وفد الحكومة في أي تفاوض مع المعارضة.
لكن هذا اللقاء يواجه صعوبة مركزية أخرى، حيث ترى المعارضة ممثلة في (تحالف نداء السودان)، أنها يجب أن تدخل هذا اللقاء مجتمعة، وألّا يقتصر على الموقعين الأربعة على خريطة الطريق (حزب الأمة القومي، الحركة الشعبية، حركة العدل والمساواة السودانية، وحركة تحرير السودان) والأخيرتين هما حركات سياسية مسلحة تمثل دارفور، ويقول في هذا الخصوص كبير مفاوضي الحركة الشعبية ل«الخليج»: إنهم سيدخلون اللقاء الذي سيدعو له امبيكي في وفد موحد يمثل تحالف «نداء السودان»، ولن يقتصر على الموقعين على خريطة الطريق فقط، ولفت إلى أن الحوار الذي أجرته الحكومة مع الأحزاب في الخرطوم يمكن أن يعتبر خطوة أولى، ويتم البناء عليه عبر المؤتمر الذي سيعقد في أديس أبابا، ويضم «نداء السودان ولجنة 7+7 والحكومة السودانية».
بينما تتمسك الحكومة السودانية ببنود خريطة الطريق التي تقول إن هذا اللقاء الذي تسميه «تشاوري» السياسي، يجب أن يقتصر على الأطراف الأربعة الموقعة فقط، ويقول مساعد الرئيس إبراهيم محمود، إن القوى الأخرى من المعارضة الموجودة داخل السودان، يمكن أن يلتقيها الوسيط تابو امبيكي في الخرطوم، ويتباحث معها في كيفية دخولها في الحوار الوطني في المرحلة الحالية أو اللاحقة.
نجد أن تحالف المعارضة (نداء السودان) يعتبر هذه القضية بالنسبة له مسألة حياة أو موت للتحالف، وأنهم لم يوافقوا إلّا بعد تعهد الوسيط الإفريقي بإعلان قبوله تحفظات المعارضة في هذه النقطة في الجلسة الافتتاحية، وكانت دول الترويكا «الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج» الذين مارسوا ضغوطاً رهيبة على المعارضة لحملهم على قبول الخارطة أصدروا بياناً اطلعت عليه «الخليج» عبروا فيه عن تفهمهم لتحفظات المعارضة التي تعتمد ذلك، بجانب تعهد الوسيط تابو امبيكي، في دعم موقفهم في حضور اللقاء مجتمعين.

الأمني أولاً أم السياسي؟

الضلع الثالث من عملية السلام التي انطلق هو وقف العدائيات بين الحكومة والحركات المسلحة المنطلقة من دارفور (حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان)، حيث يقول جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، إن نقاط الاختلاف بينهم والحكومة تمثلت في عدم قبولهم بتحديد مواقعهم، باعتبار أن وقف العدائيات لا يتطلب ذلك.
وقال إن الحكومة تريد معرفة مواقعهم بالإحداثيات و«هذا لم يأت موعده بعد». إضافة إلى عقبة ملف الأسرى الذي ترفض الحكومة التعاطي معه. إلى جانب رفض الحكومة لتشكيل لجنة مشتركة لتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين بدارفور. وقال إنهم في الحركات لا يطمئنون للمؤسسات الحكومية التي تقوم بتوصيل الإغاثة.
الهاجس الوحيد الذي يظلل محادثات هذا المسار، هو تخوف حركات دارفور من أن يقود اتفاقهم إلى وقف العدائيات وإطلاق النار، إلى أن تتم إعادتهم إلى «وثيقة الدوحة» للسلام، التي رفضوها من قبل، ويعتبرونها غير صالحة للحل النهائي لقضية دارفور، وكان مسؤول ملف دارفور في الحكومة السودانية، أمين حسن عمر، قال ل«الخليج»، «إن المفاوضات المرتقبة مع حركات دارفور في أديس أبابا، ستقتصر على وقف العدائيات على أن تنتقل بعد ذلك، إلى العاصمة القطرية الدوحة لبحث القضايا السياسية الأخرى، وفي إطار اتفاق الدوحة، ومن بعد ذلك الحضور للسودان والمشاركة في الحوار الوطني الذي تنظمه الحكومة».
وفي هذا المسار نجد أن استراتيجية قادة حركات دارفور المعارضة، لا تريد الخوض في تفاصيل وقف العدائيات، التي تطلب أن تحدد مواقع تواجد قواتها وعددها، وتريد أيضاً معرفة ما ستحصل عليه في الجانب السياسي المتعلق بشكل الحكم في إقليم دارفور، ومشاركتها في السلطة المركزية والإقليمية.
بينما تقوم استراتيجية الحكومة على الضغط باتجاه وقف العدائيات، وتحديد مواقع مقاتلي الحركتين في دارفور، بغية إحراجهما مع المجتمع الدولي، حيث ظلت الحكومة تتهم هذين الفصيلين، بأن قواتهما ليست موجودة داخل السودان، وإنما تقاتل في جنوب السودان وليبيا، وهي الاتهامات التي ظلت الحركتان المسلحتان ترفضانها على الدوام.

تحركات دولية وإقليمية

بعد مشاورات طويلة استمرت طوال يوم امس بين الحكومة والحركة الشعبية كل على حدة ، وبمشاركة أطراف من الحكومة الإثيوبية والوساطة ، عاد الطرفان للجلوس معا في حضور الرئيس تابو امبيكي و ممثل الحكومة الإثيوبية السفير برهاني والسفير لسان يوهانس والسفير محمود خان ،وذلك لبحث المقترح «التوفيقي» الذي تقدمت به الوساطة لحسم النقاط الخلافية في ملف مسارات الاغاثة ووقف العدائيات ، وسط توقعات بحدوث اختراق يفضي الى اتفاق نهائي.
بينما كشف مسؤول غربي لـ«الخليج» أن الوسيط القطري والوسيط الإفريقي سيجتمعان في إديس أبابا، ويدرسان إمكانية توحيد جهودهما ومواقفهما، إمّا بإعادة مسار مفاوضات دارفور إلى مدينة الدوحة، أو الإبقاء عليها في أديس أبابا، مع دمج فريق الوساطة الإفريقية مع الوساطة القطرية.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
وطن السلام | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .