لم يكن قطع المشير عمر البشير زيارته ليوغندا الخميس الماضي على خلفية تهديد مذكرة الاعتقال الصادرة ضده من محكمة الجنايات الدولية منذ مارس 2009 الحدث الأول من نوعه، إلا أن مراقبين اعتبروه مؤشرا لاستحالة تطبيع المجتمع الدولي مع الخرطوم في ظل استمرار البشير في السلطة.
فبالرغم من بروز اتجاه في “الاتحاد الأفريقي” يدعو للانسحاب من محكمة الجنايات الدولية باعتبارها “تستهدف القادة الأفارقة”، فضلا عن بعض اختراقات النظام في العلاقات الإقليمية في الآونة الأخيرة وعلى رأسها التطور النوعي في العلاقات مع يوغندا ،ما زالت معضلة الجنائية عائقا أمام البشير من ممارسة دوره كرئيس دولة بشكل طبيعي، و سببا في حرمان السودان من مزايا اقتصادية تتطلب تطبيعا كاملا مع المجتمع الدولي وعلى رأسها فرص إعفاء الدين الخارجي والتعاملات.
ففي حين أكدت وكالة الأنباء الرسمية في السودان بان عمر البشير قد توجه إلى يوغندا في زيارة رسمية تستغرق يومين لحضور تنصيب الرئيس اليوغندي وإجراء مباحثات معه على هامش المناسبة تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين،عاد البشير مسرعا الى الخرطوم مقتصرا رحلته على نصف يوم فقط بعد تصاعد مطالبات القبض عليه ابتداء بمحكمة الجنايات الدولية، مرورا بالمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وعلى رأسها “هيومن رايتس وتش” ومنظمة العفو الدولية”أمنستي”، و”إيجست ترست”، وانتهاء بانسحاب البعثات الدبلوماسية لكل من أمريكا وكندا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي احتجاجا على مشاركته في حفل التنصيب، وعلى الحديث السلبي حول المحكمة في خطاب الرئيس اليوغندي يوري موسفني الذي دافع عن البشير ووصف المحكمة بأنها “مجموعة من أناس عديمي النفع”.
في سياق متصل أدانت الخارجية الأمريكية الحكومة اليوغندية لاستضافتها البشير و قالت المتحدثة الرسمية باسمها “اليزابيث تريدو” في تصريحات نقلتها صحيفة “ديلي مونتر” اليوغندية ان “السفير الأمريكي بيوغندا ديبرا ملاك وبعثة كندا والعديد من البعثاث الاوربية انسحبت من احتفال اداء موسفيني للقسم احتجاجا على مشاركة الرئيس السوداني عمر البشير الصادرة ضده مذكرة اعتقال دولية، واستنكارا ل “حديث الرئيس اليوغندي السلبي عن المحكمة الجنائية الدولية”. ووصفت تريدو حديث موسفيني عن المحكمة بأنه مهزلة ويمثل إهانة للضحايا.
وقال موسفيني في خطابه الذي نقله التلفزيون اليوغندي موجها حديثه للبشير : ” نحن فقدنا الرغبة في المحكمة الدولية” “لقد ساندت المحكمة الجنائية الدوليه في البداية معتقدا انهم جاديين ولكنني اكتشفت انها جسم عديم النفع واناس عديمي الجدوى “.
كما دعا رئيس بعثة الأمم المتحدة السابق للسودان الدكتور ماكوش كابيلا يوغندا الى اظهار تضامنها مع الضحايا الذين سقطوا في دارفور. وأضاف كابيلا الذي يشغل منصب الممثل الخاص لمنظمة “ايجست ترست” المناهضة لجرائم الحرب والإبادة الجماعية في تقرير نشره موقع المنظمة بشأن زيارة البشير الى يوغند ان : “100 الف من المدنيين تم تشريدهم في دارفور هدا العام فقط بسبب هوياتهم، وتساءل متى يظهر القادة والحكومات تضامنهم مع الضحايا ويوقفون عصابة الخرطوم عن الاستمرار في الهروب بجرائمها.
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يقطع فيها البشير زيارة خارجية ويعود الى البلاد بسبب مطالبات القبض عليه من قبل المحكمة الدولية ومنظمات حقوقية .
ففي اغسطس 2015 أصدرت المحكمة العليا بجنوب أفريقيا مذكرة احتجاز فى مواجهة البشير غير ان الرئيس الجنوب افريقي جاكوب زوما سمح له بالهرب عبر مطار عسكري .
وجلب تهريب زوما للبشير انتقادات غير مسبوقة لحكومته غير انه دافع عن ذلك قائلا ان البشير جاء الى جنوب أفريقيا بدعوى من الاتحاد الافريقي وليس من بلاده.
يذكر أن يوري موسفني(72 عاما) يحكم يوغندا منذ عام 1986 اثر تنفيذه لانقلاب عسكري، ويتهمه معارضوه بإعداد ابنه موهوزي(36 عاما) لخلافته حيث عينه قائدا لوحدة قوات خاصة عام 2008 م فيما تصاعدت انتقادات أمريكا والدول الغربية لأوغندا في ملف حقوق الإنسان.